مقال نشرته في 26 أيار من 2008
في صحيفة الغد الأردنية وللأسف فأن بعض ما كنت قد توقعته من مخططات أمبريالية أصبح
اليوم جزء من الواقع العربي.
الدين والدولة والسياسة؟
د. توفيق شومر
يبرز
اليوم في بعض الدوائر الثقافية سوء فهم لمفهوم العلمانية وعلاقتها بالدولة.
فالكثير من الكتاب يخلطون بين فصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة. وهناك
اختلاف كبير بين المفهومين. فصل الدين عن الدولة -أي دولة- ضروري لتثبيت حياد
الدولة في علاقتها مع مواطنيها بغض النظر عن معتقداتهم وإيمانهم. وهذا ضروري
وبالأخص في الوطن العربي والذي يحتوي على العديد من التفرعات العقائدية والدينية
والمذهبية. ومفهوم ربط الدين بالدولة هو مفهوم تفكيكي فرض علينا في الوطن العربي
من خلال القوى الاستعمارية والإمبريالية بشكل عام، فالإسلام مثلا ليس مشروعا
سياسيا بل هو مكون أساسي ثقافي واجتماعي في المجتمع العربي قبل ان تنجز الدولة
الحديثة.
لكن
ولكي يتم تبرير نشوء ووجود الكيان الصهيوني الديني العنصري لا بد من أن تتشكل حوله
مجموعات من الدول الدينية العنصرية المتفككة والفسيفسائية لكي يصبح وجوده ككيان
مبرر ضمن محيطه. وهذا بالضبط مثلاً الغرض من مخططات الشرق الأوسط الجديد والذي
يتشكل بشكل أساسي من دول أساسها ديني كمثل ما يقترح اليوم من "قرار غير
ملزم" من الكونغرس الأمريكي لتفكيك العراق إلى ثلاث دول: كردية وسنية وشيعية.
وهذا ليس المثال الوحيد للتفكيك فما يرتب للمنطقة بحسب المخططات التفكيكية
المعروفة للجميع أن يصبح هناك دولة سنية ودولة علوية ودولة درزية ودولة مارونية
ودولة مسيحية ودولة شيعية في بلاد الشام بدلاً من الدول القائمة الآن. وغير مستبعد
أن يظهر لنا قريباً من يقول بضرورة تشكيل دولة شيشانية ودولة أرمنية ودولة أفغانية
من الأقليات الموجودة من هذه الدول في بلاد الشام.
وأفريقيا
العربية ليست بأحسن حال في برامج التفكيك هذه. فمصر يجب أن تفكك إلى مصر قبطية
ومصر سنية، ولا مانع من أن يكون هناك دولة إسماعيلية أيضاً، والسودان يفكك إلى
دولة مسيحية وأخرى مسلمة وثالثة قبائلية، والجزائر والمغرب إلى دول أمازيغية ودول
عربية وغيرها من محاولات التفكيك المختلفة. ولكن الهدف الأساسي من كل هذه
المحاولات هي ضرب مفهوم الأمة العربية المتميز والذي يبنى على أساس حضاري لا على أساس
عرقي.
في
المقابل يصعب الحديث عن فصل الدين عن السياسة فالسياسة مركب أساسي في كل المكونات
الفكرية لأي مجتمع وبالتالي فلا يمكن أن نفصل الديني عن السياسي. ولكن يجب على
القوى الدينية العاملة في السياسة أن ترفض عقلية التقسيم الغريبة عن عقيدتنا
العربية منذ وحد الإسلام هذه المنطقة.
المنطقة
العربية كانت تنضوي تحت دولة الحكم ولكن الإسلام كحضارة كان شعارها لا الإسلام
كدين. ودلالات ذلك في تاريخنا العربي كثيرة فالوزير الأول في العديد من الحكومات
العربية في عهد الخلافة العربية منذ الراشدين إلى العباسيين كان غير مسلم، وفي ذلك
اعتراف أن الدولة لكل مواطنيها والدين للمؤمنين به.
فصل
الدين عن الدولة ضرورة سياسية ومجتمعية في عالمنا العربي. فالقبطي عربي قح قبل أن
يكون الإسلام وبعده. والمسيحي العربي ينتمي لهذه المنطقة منذ آلاف السنين وهو ليس
صنيع أي قوة أجنبية، والشيعي والسني ما هم إلا أحفاد الذين اختلفوا في موقعة صفين
من العرب حول الموقف من الخلافة (الخلاف بين علي ومعاوية). أما الكثير من الأقليات
الأخرى الموجودة في المجتمع العربي فهي اليوم عربية بغض النظر عن أصولها ومنابتها.
فالمنطقة العربية احتضنت كل مضطهَد قادم من أي موقع، ولا يوجد في الاسلام أي عصبية
والثقافة الاسلامية ترفضها، وهؤلاء اندمجوا في المجتمع العربي، وأصبحوا يعلنون
انتماءهم للحضارة العربية الإسلامية.
وبالتالي
فلنحدد اليوم العلاقة بين هذه المكونات الأساسية في المجتمع العربي على مختلف
أسسها ودياناتها ومذاهبها لا على أساس التفكيك الذي يفرض علينا من القوى الاستعمارية
بل على أساس الوحدة والقناعة بفصل الدين عن الدولة. ونحن بذلك نصحح الخطأ الذي تقع
به دولتان في محيطنا في اتخاذهما الدين كأساس للدولة وهما: دولة الكيان الصهيوني
والدولة الإيرانية.
أما
عن القوى الدينية في السياسة فما دامت هذه القوى تقر بعلمانية الدولة وبأحقية كل
مواطنيها بالانتماء إليها فإن رفع الشعار الديني لن يكون عائقاً في العمل السياسي؛
ففي الاختلاف والتنوع قوة لا ضعف، وكل يقدم برامجه التي تفيد المجتمع ككل لا
البرامج التفكيكية. وهنا لا بد من التنبيه للأقوال التي يتفوه بها بعض ممثلي
التيارات الدينية السياسية كقول أحدهم في مصر "نحن نرحب باستضافة الأقباط في
مصر" فنقول له من أنت لتقول للأقباط المصريين العرب الأقحاح إنهم مرحب بهم في
مصر؟ الأقباط مكون أساسي في مصر ومواطنتهم يستمدونها من وجودهم التاريخي في مصر لا
من منحة يعطيها أحد لهم.
وفي
النهاية نؤكد أن الحل الأمثل في مواجهة مشاريع التفكيك في الوطن العربي تنطلق من
الوحدة العربية المبنية على أسس انتماء جميع مكونات هذا النسيج إلى الأمة الواحدة
وبالاعتراف بضرورة وجود دولة تنفصل عن الدين لتكون دولة لجميع مواطنيها.